تحدثنا في المقال السابق عن أهمية الصداقة لطفل فرط الحركة وتشتت الإنتباه، وعرضنا الصعوبات التي تواجهه في تكوين الأصدقاء والحفاظ عليهم، وكانت النصيحة الأهم من الخبراء للوالدين هي عدم القلق، والتركيز على وجود علاقة جيدة في حياة الطفل ولو خارج دائرة الأقران.
وفي هذا المقال نسلط الضوء على الحلول والنصائح العملية التي تمكن أطفال -أفتا- من التمتع بالصداقة.
¤ الأسرة أولًا:
الأسرة هي المحيط الإجتماعي الأول والأهم في حياة كل إنسان، ولطفل -أفتا- تعد الأسرة هي بوابة التكيف الإجتماعي له، فأسرته هي الأكثر تفهمًا وإدراكًا لطبيعته، وهي -بطبيعة الحال- الأكثر حرصًا وحنوًا.
وعلى الرغم من ذلك فإن الأسرة قد تكون مدمرة لهذا الطفل، بأن تكون أول محطة لنبذه والعنف معه وهدم الثقة لديه، فالصعوبات التربوية التي يواجهها الأبوان لتربية طفل -أفتا- قد تدفع بهم -في غياب الوعي- إلى العنف الجسدي معه، وإعتماد التوبيخ والتقريع والصراخ منهجًا يوميًا للتعامل معه، وهو ما يدمر هذا الطفل، ويدفعه بقوة نحو التمرد والغضب ويزيد من إضطرابه.. وهو ما ينعكس بشكل فوري على علاقاته الإجتماعية الأخرى، ويقلص من فرص تكوينه لصداقات.
ومن الأخطاء الأسرية الفادحة أيضًا والتي تنهي فرصه في الصداقة، أن ينظر له الوالدان والإخوة على أنه متخلف عقلي، أو إنسان ناقص، وهذه نظرة خاطئة تمامًا، فطفل -أفتا- قد يكون أذكى من إخوته وزملائه، وغالبًا ما يتمتع بمهارات عديدة تنقصهم، فإستحياء الأم من طفلها، والنفور من الذهاب به إلى الإجتماعات ولقاءات الأهل والمعارف حتى لا يحدث مشاكل، أو الحديث عنه بشكل سلبي أمام الآخرين، كل هذا يترك في نفسه آثارًا سلبية مدمرة إجتماعيًا.
وفي المقابل فإن الأسرة الواعية تكون المحضن الذي يتعلم ويتدرب فيه هذا الطفل على الآداب والمهارات الإجتماعية، وقد يكون الأمر صعبًا ولكنه سيتحقق مع الإصرار والذكاء، ففي الأسرة المتعاونة والتي يشيع فيها أجواء البهجة والتشجيع، سيلتزم الطفل بالضوابط والقوانين، وسيتعلم كيف يرد على الآخرين بشكل جيد، والأهم ستنمو لديه القدرة على الإستماع.
ووجود إخوة وأخوات في حياة هذا الطفل أمر حيوي للغاية إذا رعت الأم تطور علاقتهم، وزيادة مساحة المشاركة واللعب بينهم، وهو ما سيجعل تعامل الطفل مع زملائه أسهل.
¤ ركز على جوانب القوة:
الخطأ الأشهر في التعامل مع أطفال -أفتا- هو التركيز دومًا على ما ينقصهم، وعلى نقاط ضعفهم، ومقارنتهم بالأطفال الآخرين في قلة الإندفاعية، والقدرة على التركيز ونحو ذلك.
ولكن ماذا إذا ركزت الأسرة والمعلمون على جوانب قوة هذا الطفل، وهي كثيرة؟
وماذا لو بدأ الوالدان بإدراك أن هذا الإضطراب هو إختلاف وتميز يجعل لدى طفلهم نقاط قوة كثيرة يفتقر إليها الآخرون؟
من الطبيعي أن يحاول الآباء والأمهات معالجة الخلل والضعف لدى أطفالهم، ولكن التركيز على هذه الجوانب يجعلهم يغفلون نقاط التميز والقوة.
لدى طفل -أفتا- العديد من المهارات والإمكانات، فهو طفل شجاع وجريء، وهو طفل مرح وجذاب، وليه قدرة فائقة على التعلم بالإستماع فتنطبع الكلمات والجمل في عقله.. ولديه مهارات كثيرة على الأبوين ملاحظتها والتركيز عليها وتنميتها.
وعلاقة هذا الأمر بالصداقة وثيقة، فالتركيز على مزايا الطفل سيمنحه أولا الثقة بالنفس، وهي عماد إقامة علاقات إجتماعية جيدة، كما يجعله طفلا مميزا يتطلع أقرانه للقرب منه، كأن يكون طفل رياضي، أو فنان، مما يجعله ويجعلهم أيضًا متغاضين عن سلبياته.
¤ التحكم في السلوك السيء:
كثيرًا ما يبدو طفل -أفتا- وكأنه مدفوع نحو الخطأ، كأن يشتم أو يضايق الآخرين، ولمواجهة هذا الأمر يُنصح بإجتماع الآباء والأمهات مع أطفالهم بشكل دوري لمناقشة هذه الأمور بطريقة ودودة ودون إفراط في اللوم والتأنيب، فردود الفعل السلبية والمبالغة في التوبيخ تضر هؤلاء الأطفال جدًا وتؤثر على إحترامهم لذواتهم.
وبحسب مايكل طومسون مؤلف كتاب أفضل الأصدقاء.. أسوأ الأعداء، فإن أكثر الأمور التي يقوم بها الآباء فاعلية هي القدوة الحسنة، مشيرًا إلى أهمية أن يبدأ الوالدان جهودًا أكبر في تحسين علاقاتهم الإجتماعية وإقامة صداقات مع زملاء أبنائهم، كما يؤكد على أهمية دعم المعلمين، وإيجاد مجتمعات مختلفة ودمج أبنائهم فيها، سواء كانت رياضية أو دينية وغيرها.
ومن المهم التنبيه على أن الإغاظة والمزاح جزء لا يتجزأ من سلوك الأطفال، ولكن أطفال فرط الحركة وتشتت الإنتباه في كثير من الأحيان لا يعرفون كيف يتعاملون مع ذلك، لذا يجب على الآباء تشجيع أطفالهم على الوقوف في وجه من يغيظهم، وعدم التأثر بذلك دون المبالغة في رد الفعل، أو الإندفاع لضربه أو شتمه.
¤ صديق واحد جيّد:
في الماضي، معظم برامج البحوث والعلاج لإضطراب فرط الحركة وتشتت الإنتباه -أفتا- كانت تركز على كيفية تحسين تعامل الطفل وتفاعلاته الإجتماعية مع أقرانه، وصورته بينهم، وكانت النتائج أقل من مرضية، والسبب هو أن آراء الأقران في الطفل المصاب بهذا الإضطراب كانت غير جيدة وكانت المحصلة أنه طفل منبوذ.. تسمية صعبة على الطفل والأهل معًا، وحتى لو غير الطفل من الكثير من سلوكياته التي جعلت صورته سلبية لدى الأقران، فإن السمعة تظل تلاحقه.
ولكن الجيد في الأمر هو تغير منحى الدراسات في النظرة إلى التفاعل الإجتماعي الجيد للطفل المصاب بـ -أفتا-، ولعل أهم هذه الدراسات الدراسة التي نشرت في عدد شهر أبريل لعام 2003 من مجلة إضطرابات الإنتباه، فقد أعطت نظرة جديدة علاقات هؤلاء الأطفال مع أقرانهم، وركزت على تأثيرات مساعدة الأطفال على تكوين وتعميق العلاقة مع صديق جيد واحد، ودرس الباحثون 209 حالة تتراوح أعمارهم بين 5-12 سنة، وقد شارك الأطفال الذين يعانون من -أفتا- في برنامج صيفي مكثف لمدة 8 أسابيع في علاج وتدريب سلوكي، تضمن العديد من الأمور مثل: التدريب على المهارات الإجتماعية، والتدريب السلوكي، وأضاف الباحثون لهذا المعسكر برنامجًا تدريبيًا جديدًا بعنوان نظام الأصدقاء.
وبحسب موقع هيلثي بلاس فإن نظام الأصدقاء يهدف إلى تعزيز تنمية مهارات الصداقة، بمساعدة الطفل على الإقتران بمن هو في سنه ومن نفس جنسه، وتم الربط بين الأطفال على أساس التشابه في الكفاءات السلوكية والرياضية، والأكاديمية، وعلى ما إذا كان الأطفال يعيشون متقاربين مما يمكنهم من التشارك والتقارب خارج المخيم، وتشجيع الآباء والأمهات على أن يلتقي الطفل بصديقه، وهكذا كان الهدف أن يكون الأطفال على تطوير والحفاظ على صداقة جيدة واحدة خلال مدة البرنامج.
* نتائج برنامج الأصدقاء:
بعض النتائج كانت كما هو متوقع، حيث كان صعبًا على الأطفال الأكثر عدوانية أن يحققوا تقاربًا مع أقرانهم بالمقارنة بغيرهم الأقل عدوانية.
ولكن الباحثون توصلوا أيضًا إلى نقطتين مهمتين:
=الأولى: أن الأطفال الذين إهتم أبواهم بدعم البرنامج وإستمراريته بعد إنتهاء المخيم، وحرصوا على ترتيب أوقات لإلتقاء الطفل بصديقه، تطورت صداقات أطفالهم، والأهم هو أن الأطفال نمت مشاعر الثقة بالنفس لديهم، وأحسوا بالنجاح لقدرتهم على صنع والحفاظ على الصداقة.
=الثانية: هي أن تطوير الصداقات أثر إيجابيًا على النجاح الأكاديمي، وتقليل السلوك المعادي.
¤ كيف يمكننا الإستفادة من هذه الدراسة؟
أولًا/ حتى إذا كان طفلك يعاني بسبب عدم محبة أقرانه له، فإنه يمكنك تحسين وضعه بشكل كبير بمساعدته العثور على واحد أو عدد قليل من الأصدقاء المقربين.
ثانيًا/ احذر عند الإختيار وتطوير الصداقة، وتأكد من ملائمة الصديق لطفلك، فسيكون له تأثير كبير على سلوك الطفل وتفاعله الأكاديمي والإجتماعي.
فالدراسة أظهرت أن الطفل يتصرف بشكل أفضل عندما يقترن بصديق قليل العدوانية.
ثالثًا/ وهي نقطة جديرة بالملاحظة، وهي أن نجاح الطفل في توثيق العلاقة مع رفيقه تتعلق بشكل كبير بدعم الوالدين ومساعدتهما.
الكاتب: مي عباس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.